دراسات مسرحية متخصصة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دراسات مسرحية متخصصة

عرض دراسات متنوعة وموضوعات في الدراما والنقد المسرحي العالمي والمحلي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نماذج من كتاب المسرح السياسي في أمريكا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد صقر

احمد صقر


المساهمات : 66
تاريخ التسجيل : 06/03/2011
العمر : 64
الموقع : الإسكندرية

نماذج من كتاب المسرح السياسي في أمريكا Empty
مُساهمةموضوع: نماذج من كتاب المسرح السياسي في أمريكا   نماذج من كتاب المسرح السياسي في أمريكا Emptyالثلاثاء مارس 15, 2011 5:36 am

نماذج من كتاب المسرح السياسي في أمريكا
(أرثرميللر – أوديتس )
الأستاذ الدكتور/ أحمد صقر- جامعة الإسكندرية
==============================
ولد معظم كتاب الجيل الجديد فى أواخر القرن التاسع عشر وترعرعوا فى السنوات التى بلغت فيها أمريكا سن الرشد كقوة دولية وحينما بلغوا مبلغ الرجولة وجدوا أنفسهم يواجهون ظروفاً بدا لهم معها أن الحضارة الغربية يتهددها الإنهيار، إذ أن البربرية التى كان يظن أنها قد إنتهت إلى الأبد برزت فجأة كقوة تتحدى العالم الذى عرفوه العالم الذى كان فيه السلام والرخاء والتقدم قد أخذت على أنها حقائق مسلمة ودلالة على بلوغ الإنسانية أهدافها، ولقد سيطرت عليهم فى البداية تحت تأثير الصدمه والقنوط روح الجهاد لتصحيح الأوضاع ولجعل العالم مرة أخرى حصناً حصيناً للديمقراطية ولخوض الحرب لإنهاء كل الحروب وللعناية بالجرحى ولإثارة شعوب أوروبا ضد زعمائها الغارقين فى الضلال لقد تزعم "ودرو ديلسون" حمله الجهاد هذه وصاغ معظم شعاراتها إلا أن كتابات "تيودور دربزيه" و "هـ . ل. منكن" ونقاد فرنسا وروسيا وإنجلترا كانت المورد الذى نهل منه الجيل الجديد وفى ظاهر الأمر كان هؤلاء الشبان يبدون كجماعة من المثاليين والمصلحين ولكنهم فى قرارة أنفسهم كانوا يدركون أن الشر الذى يقاومونه ألصق بوطنهم وإن لم يشاءوا الإعتراف بذلك وحينما توقفت الحرب الأولى فجأة مثلما بدأت نظر هؤلاء الشبان فإذا بلادهم وإن قاست من الصدمة، لم تعان كثيراً من ويلات الحرب بل إن شعبها ربح ربحاً كبيراً من تجارة الأسلحة ومن الإحساس بالقوة والزهو اللذين يصحبان النصر، ولما تبدد الوهم وإنجلت الحقيقة فى المعركة العسكرية بدأوا معركة من أجل الكمال الأدبى والأخلاقى فى أمريكا وفى ذواتهم ونال الكثيرون منهم – بل أغلبهم – على الرخاء المادى العظيم الذى أعقب الحرب وعادوا، بعد أن سرحوا من الخدمة العسكرية، إلى أوروبا ليترددوا هناك على معارض الفنون فى باريس وليتناقشوا فى مسائل الفن والسياسة وليبدوا أفكارهم التى إتقشع عنها الوهم ولينهكوا أجسامهم – إستدلالا بما كتبوا فى الشراب والملذات إن الأدب القوى يطرح من الأسئلة أكثر مما يجيب وبالنسبة للكتاب الأمريكيين الذين نضجوا فى ما بين الحربين العالميتين تحول ما كان يبدو فى أول الأمر هروباً غير مسئول من الحقيقة ليصبح وسيلة لتحقيق رسالتهم الحقه، لقد كان هؤلاء الشبان بحاجة إلى "المنظور الزمانى والمكانى" ليكتشفوا أشكالا فنية جديدة للتعبير عن أزمة الإنسان فى القرن العشرين.
إكتشف هذا الجيل أن المثقفين الأوربين كانوا أكثر منهم إحساساً بخيبة الأمل وبدأت عقده النقص التى تثقل كاهل الكتاب الأمريكيين بدأ ثقلها يخف إلى حد ما لقد أدركوا أن لديهم "فلكولوراً" وأشكالاً فنية جديدة، ونمطاً وطنياً خاصاً، وحضارة ومنحهم هذا الإدراك الثقة الضرورية بالنفس، فخلقوا أسطورة "الجيل الضائع" ثم شرعوا فى العمل ليكتشفوا ذواتهم من جديد لقد إتخذت القصة المسرحية نمط الإنسلاخ ثم العودة إلى الإندماج وإستعرضت حياة المنفى العشرينات من القرن وفى عام 1934 كان يبدو أن إعادة بناء المجتمع هو الوسيلة الوحيدة والطبيعية لتحقيق العودة للإندماج وكان هناك سبيلان أمام الفنان إما أن يهرب من مجتمعه إلى مشكلاته الذاتية وإما أن يربط نفسه بالإنسانية ويتقبل الحركات التى تعده بما هو أفضل من أجل الإصلاح الإجتماعى وتعود شهره أوديتس ككاتب مسرحى إجتماعى- وكممثل لهؤلاء الكتاب- إلى أنه كان أبرز ممثلى المسرحية الإجتماعية إذ بينما نلاحظ أن كتاباً أخرين فى هذه الفترة سلكوا طريق أونيل فى إقتفاء التعبيرية الألمانية وطبعوا إحتجاجهم الإجتماعى بطابع أكثر واقعية، مثل "المراريس" الذى تسير أعماله فى إتجاه الأحياء الماركسى الذى ساد فى الثلاثينيات، نجد أن هذا الإتجاه ليس بروليتارياً بالتحديد مثلما نجدو عند أوديتس فى مسرحية فى إنتظار اليسار، ولم يستطيع كتاب أخرون "أن يصلوا إلى ما وصل إليه أوديتس من إستشراف للنظرة البروليتارية كاملة" لقد فعلت الأزمة الإقتصادية الكبرى فعلها فى تكوين أوديتس وحددت أهدافه ككاتب مسرحى، وشكلت إهتمامه الأساسى لقد حددت إلتزامه ككاتب بإنه إلتزام إجتماعى أكثر منه إلتزام فنى، ولقد حاول أن يعبر عن إحتجاجه الإجتماعى بالعمل حين ذهب إلى كوبا فى عام 1935 ولكنه أدرك أن ذلك لم يكن هو السبيل الأكثر فعالية والتى يستطيع بها أن يعمل على تغيير الظواهر التى وجدها غير مقبولة لقد أدرك بعد ذلك أنه يستطيع أن يقدم معتقداته من خلال كتاباته ويجعلها أكثر فعالية بهذه الوسيلة من أن يقود جماعات تقوم بإحتجاج عملى وفى هذا الشأن قال لمراسل مجله تايم فى عام 1938 "والناس لا يستطيعون إلا أن يفعلوا شيئاً واحداً الكاتب يجب أن يكتب وفوق ذلك فالانفجار ليس هو أهم ما يعنى الكاتب بل إن ما يجب أن يعنيه هو الأسباب التى تؤدى إليه".
بهذه العبارة يحدد أوديتس إهتمامه الأساسى إن إهتمامه الأساسى منصب على الأسباب أكثر من إنصبابه على النتائج أو العلاج وبينما كانت البروليتاريا خلال عقد من الزمان تحاول أن تجد جواباً للمشكلات التى فرضتها الأزمة الاقتصادية عليها إن المحور الرئيسى فى مفاهيم أوديتس الإجتماعية هو إحتفاظ الإنسان بإحترامه لذاته، وهذه النقطة هى التى تدور حولها معظم كتاباته وعنها تتفرع نقاط أخرى مثل علاقة الفرد بالدولة وعلاقة الفرد بالفرد وعلاقة الفرد بعائلاته. إن المشكلات الإجتماعية والأوضاع الإقتصادية المترديه هى الأساس فى تخريب هذه العلاقات وتشويه الإنسان وفقدانه إحترامه لذاته وثقته بنفسه "وفى إنتظار اليسار" واستيقظوا وترنموا من مسرحيات أوديتس المبكرة وتتميز هذه المسرحيات عموماً بأنها مستوحاه من ظروف الأزمة الإقتصادية إبان الثلاثينات والمسرحيتان تعد من أدب البروليتاريا، إذ أنهما تصوران حياة الطبقة العاملة ومشكلاتها ومعاناتها بتعاطف وتفهم، وتكشفان عن الظلم الاجتماعى وبينما تعنى مسرحية فى إنتظار اليسار بتصوير حياة فئة من الطبقة العاملة هم سائقوا سيارات الأجرة، تعنى مسرحية إستيقظوا وترنموا بتصوير حياة عائلة من الطبقة العاملة تحاول أن ترتفع إلى مكانه أعلى كذلك فإن أرثر ميللر الذى عانى شخصياً من أزمة الكساد الكبير ومن التعسف المكارثى كان ينطلق هو الأخر من نفس النقطة تقريباً وأعلن تمرده بشكل أو بأخر وظل أحد المناهضين للإمبريالية الأمريكية والأيدلوجية الرأسمالية عموماً وسنرى أنه فى مسرحية "البوتقه" يهاجم الشكل القبيح أو الوجه الحقيقى للنظام الأمريكى الذى يتخفى خلف قناع الديمقراطية وحرية الرأى أما فى الساعة الأمريكية فهو يهاجم الرأسمالية ويرى شأنه شأن جميع اليسارين أنها مسئولة عن الأزمات الشديدة التى تظهر كنتاجاً لآليات السوق فى حركتها العشوائية غير المنظمة وعلى أى حال فهذه المسرحية إنما تنطلق من موقف يبدو أنه عقائدى أو بحكم إنتماؤه إلى اليسار أو على الأقل بإعتباره أحد مناهضى الرأسمالية الأمريكية.
البوتقه والماكارثيه:
وهى قصة من واقع الحياة الأمريكية ولقد مسرحها ميللر بعد ما وجد تشابهاً كبيراً بين الفترة التى كانت تحياها أمريكا وقت كتابه المسرحية والفترة التى عاشتها قريه ساليم عام 1692 ولقد ظلت مأساه هذه القرية فى ذهن ووعى الشعب الأمريكى حتى أن كاتبيين مسرحيين أخرجا منها مسرحيتين هما "مسرحية طفل" "لفلورنس ستيفنسون" التى نالت بها جائزة فردريك بكاليفورنيا ومسرحيه "العاثرون على السحره" للويس كوكس، وقبل هاتين المسرحيتين كان هناك كتاب بعنوان "الشيطان فى ماسا شوستس" يتناول هذه الحادثة من الناحية التاريخية والنفسيه.
والحادثة كما يقول ميللر نفسه تشبه كثيراً ما يجرى حالياً فى المجتمع الأمريكى وإن الإنسان يجب أن يرى زعماء أمريكا والعالم الحديث يعالجون الوهم بتعقل وشجاعة مثلما فعل شيوخ "ماسا شوستس" ولم يكد ينتهى عام 1952 حتى قامت فى أمريكا حركة تشبه تماماً الحركة التى ظهرت فى ساليم وكان يتزعم هذه الحركة السيناتور الأمريكى المشهور "جوزيف مكارثى".
وقصة ساليم هى قصه جماعة من الناس جاءوا إلى أمريكا مهاجرين وعاشوا إخوه طالما جمعتهم المصلحة المشتركة ولكنهم عندما يستقرون تبدأ بينهم الفرقه والطبقية والطمع وجمع المال وتراكمه والتهافت عليه فيحقد الواحد منهم على الأخر ويضمر الشر والخبث له ثم ما تبدأ قصة وجود ساحرات فى القريه حتى يلتقطها الحاقدون ويستخدموها للهجوم على أعدائهم والنيل منهم وتتضح المأساه بعمق وروعه عندما يرفض "جون بروكتور" أن يوقع بإمضائه على وثيقة تدين بعضاً من سكان القرية ....
لقد صار ضمير الفرد من إختصاص الإدارة كذلك، وكما يقول ميللر.. لقد صار الضمير شيئاً يناولونه بعضهم البعض ويشكرون بعضهم البعض عليه.. لم يعد مسأله تخص الفرد وحده .. وهذه هى العقده الدرامية للمسرحية وهى عقده تشبه عقده أنتيجون لسوفوكل.
ولقد طلب ميللر نفسه ليستجوب أمام لجنة "مكارثر" ثم طلب منه أن يوقع على وثيقة بأسماء الكتاب الأمريكيين الذين كانوا معه فى إجتماعات الكتاب الشيوعيين سنة 1947 ولكن مؤلف البوتقه والفنان الذى رسم شخصيه حول بروكتور رفض نفس الشيء الذى عرض على جوب بروكتور وأعرض عن حمى الحقد التى كانت تجتاح أمريكا فى ذلك الحين والتى كانت تتهم كل صاحب رأى حر وتنسب إليه نشاطاً معادياً لأمريكا وتلصق به تهمه قلب نظام الحكم الأمريكى وإنتهزها "ميللر" فرصه ووجد فيها موضوعاً لمسرحيته.
لقد كان أهل ساليم يخافون الظروف الطبيعية من حولهم وهم الأغراب فى أمريكا عام 1692 كانوا يخافون الهنود الحمر والغابه القريبة والأراضى الشائعة المهجورة من حولهم.. وكانوا متدينين وكانوا يظنون أنفسهم وسط هذا الإلحاد قلعه الله وحماه دين الله ولذلك فقد إستقر فى طبيعتهم بعض العناء والمقاومة اللذين صارا إضطهاداً للأخرين، لقد كان هؤلاء المهاجرون من نسل المضطهدين دينياً فى إنجلترا هؤلاء هم الذين هربوا من الإضطهاد الدينى فى إنجلترا وجاءوا إلى أمريكا ليتعبدوا فى حرية ولكن الإضطهاد الذى عانوه جعلهم يسنون بعض التقاليد والقوانين لحماية أنفسهم بإعتبار أنهم يمرون بفترة عابرة ولكن هذه القوانين والتقاليد صارت حياتهم. وصارت الفترة الإنتقالية جزءاً لا يتجزأ من حياتهم كلها ومن ثم بدأوا يمارسون الإضطهاد على أنفسهم. هذه هى المأساة وهى نفس المأساه التى عاشتها أمريكا أيام المكارثيه.. لقد نظرت أمريكا حولها فوجدت نفسها أمام عدو قوى هو الإتحاد السوفيتى ومجموعة من الأصدقاء الضعاف هم الدول الغربية ثم وجدت أنها لكى تحمى نفسها لابد من سن بعض القوانين لمقاومة ما أسمته "النشاط المعادى لأمريكا" وإنتهز بعض الحاقدين الفرصة فألفوا لجنه برياسة زعيم لهم يدعى "السيناتور مكارثى" وأخذت هذه اللجنة تعتقل وتقدم للمحاكمة كل من له نشاط هدام فعلاً ولكنها فى حميه الحقد لم تستطع أن تميز بين النشاط الهدام والرأى الحر وصار كل منادٍ بالإصلاح أو كل صاحب عقيدة تخالف العرف الأمريكى ممن تنسحب عليهم تهمه النشاط المعادى لأمريكا ... وهكذا صار الخوف هو الذى يحكم أمريكا .. الخوف من السوفيت، والخوف من عملائهم، والخوف من الحاضر، والخوف من المستقبل ... وأخيراً تولد الخوف من أنفسهم ضد أنفسهم ... هذه هى العقيدة التى يجب أن يكتب عليها والتى تشبه ما ساد فى أمريكا فى الماضى والتى يجب أن يرفع العلم محذراً مواطنيه من آثارها.
ولكن ميللر عرف عقده ساحرات ساليم قبل أن تعانى أمريكا من المكارثيه ولقد جرب الكتابة فى هذا الموضوع فى مسرحيتين من المسرحيات التى كان يجرب بها الكتابه للمسرح فى بداية حياته الأدبية كتب يقول من موضوعهما إن الأولى عن أخوين من طلبه الجامعة كل منهما يؤمن بالراديكالية ولكنهما على طرفى نقيض، والثانية عن ثورة فى سجن ينضم فيها المجانين إلى العقلاء معلنين الثورة، ثم عالج "ميللر" نفس الموضوع عندما كان يعد ويعيد كتابه "عدو الشعب" لأبسن فقد أثرت فيه هذه المسرحية حتى بدأ يعالجها من جديد وفى هذا يقول ميللر:
"الفكرة الرئيسية فى حياتنا الإجتماعية .. هى ببساطة: هل ترفع الضمانات الديمقراطية فى وقت الأزمات السياسية وهل يعاقب الناس إذا أعلنوا فكرتهم عن الحقيقة، هذه هى الفكرة الرئيسية وهى فكرة خالدة لأن كل مجتمع متحضر سيواجه يوماً ما فرداً يصر على أنه على صواب وأن الناس فى مجموعهم على خطأ ... هل يجب أن يحمى الناس فى هذه الحالة أنفسهم من رأى الفرد.
"أرثر ميللر" ومسرحية الساعة الأمريكية:
هذه المسرحية نموذج لمسرحيه تأثرت بجميع الإنجازات الفنية فى المسرح العالمى من حيث إستخدامها للتسجيلية، مع الإمتزاج بقضايا المجتمع السياسية والإجتماعية والإقتصادية، مع إدانة أسباب التدهور الذى أبتلى به المجتمع الأمريكى فى فترة من أهم الفترات إبان الأزمة الإقتصادية العالمية الطاحنه التى مرت بها المجتمعات الرأسمالية من 1929-1932 ومع تفشى البطاله بشكل عام، وسقوط شرائح طبقية فى ربقة العوز والفقر، بل والحرمان بينما الكساد يطحن الجميع تحت أضراسه التى لا ترحم، ومسرحية "الساعة الأمريكية" تسجل وقائع فترة الأزمة وآثارها على أبطاله، حيث إستقى الكاتب مادته من بين تلك الظروف، التى وعاها أثناء صباه، فلقد عانى من الأزمة، وعاشها كعامل إنتظم فى أعمال عديده حتى يوفر قوته، ويعتمد على نفسه، فمارس أدنى الأعمال، حيث عمل خبازاً وموزعاً للخبز بأحد المخابز، عليه أن يستيقظ فى الرابعة والنصف صباحاً لكى يقوم بعمله، الذى يتكسب منه عده دولارات قبل موعد ذهابه إلى المدرسة، كما عمل فى محل بيع قطع غيار السيارات بأجر محدود، وهو ما سجله عند تصويره لشخصية "برت" بطل مسرحيه "ذكرى يوم من أيام الأثنين" كما عمل كمحرر ليلى فى جريدة يومية محليه، وعمل فى مصنع للصناديق، ومساعداً ميكانيكياً أى صبى ميكانيكي فى السفن، مما كان لذلك أكبر الأثر على بنائه لعدد من المسرحيات التى كتبها وأخرها الساعة الأمريكية، التى تمثل رائعة من روائع "أرثر ميللر" والتى عبر مشاهدها أعاد الكاتب الكبير تفاصيل سنوات الكساد بظلالها الكئيبة على المجتمع الأمريكى. كما صب ميللر بين سطور الحوار وعباراته الحقيقية اللاذعة، كما يتضح من حوار كل من ليفرمور، وأرثر روبرتسون.
ليفرمور: أرثر، هل يمكنك أن تقرضنى خمسة آلاف دولار؟
روبرتسوف: بالتأكيد "يجلس بينما يخلع فرده حذاء".
ليفرمور: ماذا تفعل بحق الشيطان؟ يا إلهى آلا تثق بأى شىء "يسحب روبرتسوف عن الحذاء رزمة من الأوراق العالية فئة الخمسة آلاف دولار يعطى ليفرمور واحد منها، بينما ليفرمور يحلق فى حذاء روبرتسوف".
روبرتسوف: ليس كثيراً.
ليفرمور: حسناً ... أظن أنى أفهم هذا، لكنى لا أستطيع القول بأننى معجب به "يضع الورقة فى جيبه، وينظر ثانيه إلى أسفل حذاء روبرتسوف، ويهز رأسه"،حسناً أظن أن هذا هو وطنك آلاف "يستدير مثل رجل أعمى ويذهب خارجاً.
مما سبق نرى أن غياب الشعور بالآمان والإحساس به لدى روبرتسون- وهو رجل أعمال- يجعله لا يثق فى البنوك، أو المؤسسات العالمية، بل يتحول هو إلى مؤسسة عالية متنقلة ويصير الحذاء وطنه، أو البنك الخاص به، وذلك يمثل رؤية ميللر الزاعقة لما جرى فى النظم والبلدان الرأسمالية أثناء فترة الأزمة، حيث ضعفت الثقة فى البنوك وبدأ الناس يسحبون أرصدتهم ويحولونها إلى ذهب ومعادن نفسية، كما تهاوى الكثيرون إلى قاع الإفلاس مثل شخص ليفرمور فى المسرحية، الذى يحاول أن يستعيد نفسه بواسطه ذلك القرض الذى يتناوله من حذاء صديقه روبرتسون.
وجدير بالملاحظة أن مسرحية الساعة الأمريكية تعرض حالة سقوط أسرة متوسطة، وقعت تحت براثن الأزمة فيرهنون بيتهم، وتحيط بهم البطالة ومن ثم لابد أن تفرز تلك الظروف شخصية البطل "لى بوم" الذى لابد وحتماً أن يعتنق الأفكار الإشتراكية، كما تقول عنه الأم "رزو" فى حوارها مع الفتاة "درويس" أبنه صاحب الأملاك.
روز: أقول لك الآن، لو أنى وثقت ثانية فى أى شخص أو أى شيىء لتمنيت أن يقطع لسانى.
دوريس: ربما يعود "لى" ويساعدهم.
روز: أبداً "لى" له أفكاره الخاصة وعليه أن يواجه الحقائق، لم يتعلم منا أى شيء، فليساعد نفسه.
لوسيل: ولكنه يؤمن بالشيوعية.
روز: لوسيل، ماذا تعرفين عنها، ماذا يعرف أى شخص عنها؟ الصحف قالت أن سوق الأوراق المالية لن يهبط أبداً مرة ثانية.
لوسيل: ولكنهم ضد الله يا خالتى.
"جوانب من شخصية ميللر فى المسرحية".
ولما كان من المؤكد أن "أرثر ميللر" رسم شخصيته فى مسرحية "ذكرى يوم الأثنين" من خلال التحولات الفكرية التى أصابته مسجلاً إياها عند تصويره لشخصية "برت" فإنه رسم نفسه أيضاً- عند تصويره لشخص بطل الساعة الأمريكية "لى" فهو يرجع كل ما أصاب أبطاله إلى الظروف الموضوعية، كما أنه يدفع ثمن ذلك وفق مستويين- الأول مستوى المعاناه اليومية نتيجة سقوط أسرته تحت براثن الأزمة، والثانى: مستوى الوعى فشخصية "لى" هى شخصية المثقف الذى يتابع ما يدور فى مجتمعه والمجتمعات الأخرى، والذى يعلن رفضه الكامل لكل سمات المجتمع الرأسمالى الأمريكى ويقول "ميللر" على لسان "لى" بطل المسرحية "أنا لا أفهم كيف يدبر الناس أمورهم لكى يعيشوا فلقد أغلقت بنوك كثيرة أبوابها، ولم تسقط الأمطار لعدة شهور، حتى السماء جف ماؤها، كل مدينة مليئة بالرجال الجالسين على جوانب الطرق، وظهورهم مسنوده على وجهات المحلات، لا يفعلون شيئاً سوى النظر إليك، أو ينامون، بأن الأمر أشبه بالسحر مازالت أحاول أن أجد عيوباً فى الماركسيه لكنى لا أستطيع..
والملاحظ أن شخصية "لى" فى المسرحية تمثل شخصية المثقف المتسائل دائماً ... هو مثقف أمريكى فى أوائل الثلاثينيات أثناء الأزمة الإقتصادية العالمية، يقدم الكاتب حاملاً كثيراً من التوترات التى تصيبه كنتيجة لكل ما يدور فى مجتمعه، مما يجعل الآلاف من المثقفين فى العالم ينتمون إلى الفلسفة الماركسيه، ويؤمنون بضرورة التحول نحو الإشتراكية، خاصة مع صعود الإتحاد السوفيتى، ونجحاته المتلاحقة، وعدم ظهور آثار الأزمة على المجتمعات التى تبنت التخطيط الكامل وعدم ترك الإقتصاد بأيدى أصحاب رؤوس الأموال. والمؤكد أنه بالرغم من الأبعاد السياسية فى المسرحية فإن قيمة العمل الفنى كعمل مسرحى لم تقل أبداً ... مع وجود الصراع التقليدى الذى لاح مباشراً بين الأبطال. والمسرحية تنتمى بصفة واضحة بما عرف بالمسرح التسجيلى السياسى، كان الصراع فيها لا يقف عند مستوى الصراع بين الأشخاص والأبطال. بل كان الصراع صراع بين الواقع والأزمة ومن يقفون ورائها ويستفيدون منها.
وبين كل ذلك لا يتوانى "أرثر ميللر" أن يقدم رؤيته على ألسنه الشباب خاصة رؤيته فى المستقبل، كما يراه هو مع مجموعة الشباب أصدقاء "لى" وهم "جو" و"الف" و "رودى" وهؤلاءهم العينات الممتازة التى تحركت عليها مؤشرات الساعة الأمريكية، كما يريد آرثر ميللر أن يعلن فى مسرحيته، فهو يشكك فى المؤسسات الرأسمالية، ويدعو إلى عدم الإطمئنان الكامل لآلياتها، وفى هذا فهو يحمل هموم أكثر الناس بساطة. بل وأكثرهم عدداًَ، الذين لا يستطيعون فى مثل تلك الدورات الإقتصادية "دوره التضخم، ودوره الكساد" التى لا ترحم أن يحافظوا على مستواهم الإجتماعى، وهو يحذر من العيوب البنيوية فى الرأسمالية، التى تقوم على المنافسة المطلقة، والتى تستتبع الأزمات الدورية، والمجتمعية، والتى تكون فى حركتها مثل عقارب الساعة، ومن ثم سمى مسرحيتة "بالساعة الأمريكية".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نماذج من كتاب المسرح السياسي في أمريكا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المسرح السياسي في أمريكا .
» صيغ وأشكال من المسرح السياسي في أمريكا
» تقنيات المسرح السياسي(النص والعرض)
» المسرح التحريضي في أمريكا
» المسرح الغير تجاري في نيويورك ( مسرح الهواة )- أمريكا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
دراسات مسرحية متخصصة :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: